خواطر , استوقفتني أية , مقالاتي , "وذكــّر", صفحة من التاريخ , فلسطيني

الجمعة، 11 مارس 2011

قاموس


في همة ونشاط وشغف الطفولة يبدو في ملامحه ، فطرة نقية وذهن صاف ، عقل لم تلوثه الشائبات ، ولم تحد من طموحاته الوقائع ، بهذه الهمة كان تلهف عمر وهو يمسك بكتبه يخرجها من حقيبته يلمس أغلفتها الناعمة المزينة بملصقة هنا وملصقة هناك ، متأملا الوانها متلهفا ليفتحها ليبدأ بحل واجباته .. أجمل شيء يفعله ..
"أه ،، كم تعبت ،، " ، خلعت نظارتها ، وضعتها جانبا على المنضدة  ، أغمضت عينيها ، أرجعت رأسها الى الوراء مستقطعة من الزمن وقتا تطلب فيه راحتها ، دوامة تفكر تهدأ فتنام ،، صوت ارتطام ، فاقت مذعورة ،كان صوت وقع كتابها من يدها ، التقطته من الأرض ..
"اووو ،،لقد نسيت عمر" ، "ماذا عساه يفعل الآن ؟ " ،،بسرعة نحو الغرفة اتجهت ،، وعند الباب وقفت ،، ابتسامة على وجهها ارتسمت ،،  بخطوات هادئة اقتربت ،، تراقب طفلها الجميل ..
 دفتر ألوان ،، وصفحة بيضاء ،، " الأخضر والأحمر فالأخضر والأحمر،، خرابيش طفلي لها بداية دونما نهاية  "  ،، هو،، يضع كفه على خده يؤرجح أقدامه ،، يدندن ،،
 " حصان كبير لا بل جمل ،، أظن أنه حصان " ،،هكذا تتوقع أمه وهي تراقبه ،،
 "وماذا سترسم الآن يا عمر ،، نعم جميل ،، إنها ،،،اها ،، دائرة ،،دائرة!!!! حبيبي ،يرسم أي شيء في جعبته ""  ،،  يضع كفه على خده يؤرجح أقدامه ،، يدندن ،،
" مممم ، شاب ،، ووسيم أيضا ،، "  ،، هو ،، يضع كفه على خده يؤرجح أقدامه ،،يدندن ،،
  " جهاز حاسوب ،،رائع أحسنت رسمه " ،،، يضع كفه على خده يؤرجح أقدامه ،، يدندن ،،
 "الله ما اجمل هذه الشمس الصفراء " ... فجأة يترك ألوانه ، ترجع أمه للخلف خطوتين كي لا يراها ، يقوم الى حائطه فوق تخته ،، ينظر الى لوحة الأرقام هناك ، يدقق مليا ،، يرجع الى مكتبه ،، ينقل ما حفظ من الأرقام على رسمته ،، يضع كفه على خده يؤرجح أقدامه ،، يدندن ،، " في النصف 5 و 2 ،، الى شمال الصفحة 8 و1 ،، "  لكن،، الفضول  ذبحها ،، اقتربت منه أمه لتعرف ما سر دندنته التي ما انفك يذكرها ,,, اقتربت منه ،، صدمت ،، اقتربت أكثر وأكثر لتتأكد أن ..
 " اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل ... "
" آآه لقد فهمت ،، الشاب إنه هو الأمل ،، و الأحمر لون الدم ،، وأخضر رمز تلك الدولة ،، جمل وحصان الأحداث ،، دائرة : ميدان ،، حاسوب :انترنت ،، الأرقام :تواريخ ،، والشمس،، شمس الفجر الجديد "
 توقفت ساعة الزمن عندها ،، لم تفهم  "كيف ،، كيف فهم ..كيف يمكن لطفل !! "  ،، وقتها وقعت عينيها على كتاب مفتوح عند سريره ،،ذهبت إليه ، نظرت إلى غلافه وإذا به قاموس المصطلحات ،، نظرت الى تاريخه ،، وجدته مطبوعا في عام الحادي عشر بعد الألفين .. !!
"أمي ؟ ،، ماذا تفعلين هنا ؟ " ،، هكذا قاطع تفكيرها ،، "انظري لوحتي "






 تأملتها الأم كثيرا ،، فقد أدركت حينها أن لوحته القادمة ربما تجد فيها رسما لشرطة وأناس يصلون ومسجد وكنيسة ، ربما بعدها تجده يرسم خارطة غير المعهودة ،، بوجهة نظره هو ،،
علقت اللوحة ،، أغلقت القاموس ،، وأخذت بيده تروي له تلك الحكاية ،،

هي وقفة وليست قصة ،، وقفة مع النفس ،، وقفة مع ما مررنا به خلال آخر فترة ،،آخر شهرين ،، أو ربما ثلاثة ،،يا الله،، حياتنا ، كلامنا كان حينها شريط أخبار ، وجُلّه دعوات لجُمعات شيء منها الغضب وأخرى الخلاص و آخرها النصر ،،، نصر الثورات ..
 سيدي بو زيد ،25 ،التحرير ،البوعزيزي يناير و18 ديسمبر ، تسارع و تتابع و إرادة  حتى هرب الرئيس ،، ثم تسارع وتتابع و صمود حتى خلع الرئيس ،، تصاعد بعدها الاشتياق وارتقع سقف التطلعات - إن ظل هناك سقف - لتنفس الحرية ، فأشعلت الشعوب في روحها لهيب الحماس حتى تنزع أكمام التنفس الاصطناعي وتفوق من غيبوبتها ..
الزاوية، بنغازي ، العزيزية ،، لحقت بقاموس المصطلحات ،، ومن " زنجا " تغير التتابع والتسارع واتخد منحىً آخر ،، دم وقصف ،غزة واسرائيل ،تتكرر الحكاية، وليبيا المختار لا بواكي لها ..
نعود ، برز اقتتال في ميدان الصلاة في مصر، اشتباكات مسلمين ومسيحيين ،، ثورة مضادة توقد فتيلتها أيدي الظلم ،وتسمع احتمال تدخل دولي في الخضراء ، أيدي الإستغلال اشتغلت بسبب عقول الجهل التي تبصر ثروتها وتسمع صوتها فقط ،،
ليس بالشيء اليسير ،، زخم  كثير بوقت قصير مر على عقولنا ..
لنعتبر ، لنستغل شهادتنا على عصرنا ، نربي فيها أنفسنا نعمل بها ، سنسأل عنها ، وسنرويها غدا لأولادنا ،نعم سنرويها بإذن الله فلنحفظها كاملة، ونجعل من أنفسنا ركنا لتلك الحكاية ، فماذا فعلتم ما موقفكم، ما تأثيرها عليكم ، كيف غيّرتكم؟؟  أسئلة قد توجه لنا منهم ..
 فلنعد الإجابة بالعمل ، كي لا تكون فقاعة ومرت ، أو كآبة في النفس وحلّت ، أو جرعة راح مفعولها وولّت ، وكلّ في عمله كلّ في تخصصه ،لخدمة الدين العظيم والإرتقاء بالوطن الكبير ، وطهارة للنفس والروح مما علق بها من جراثيم الكبت والقيد والأسر والظلم المريع ..





**أشكر أختي الاء سامي على هذا التصميم الرائع ،، حفظك الله وسدد خطاك :)

هناك 3 تعليقات:

  1. رهف بالبداية وقصة هذا العمر ودندنته أثرتي لدي شعور غريب وربما الحنين لأطفالي !
    وتذكرتُ أيام دروس القرآن .. وإبداعات الأطفال بشتى أنواعها ..
    :))

    والجميل أسلوب التشويق .. حتى النهاية المشرقة ..
    الشوق الى الحرية ..

    أبدعتِ صديقتي :")

    ردحذف
  2. آآآه كم أحبهم يا هبة ، وكل كلمة كتبتها نابعة من قلبي لهذا الطفل ، وان كان خياليا ، اذكر جيدا دروس القرآن والمركز وبراءتهم الجميلة .. مرة طفلة اهدتني وردا ،، كم احببت الورد بعدها ،، قصدت هنا وصف الطفل بكل حركة ووصف امه له ..
    أشكرك هبة :))

    ردحذف
  3. رائع رهف تجربة موفقة :))
    ومشوقة كذلك وأي قصة بطلها طفل تجذبني
    إذ أملي فيهم كبير يا صديقتي..

    صدقت ليتها تكون البداية وليست النهاية
    ...يلزمنا بعدها أكثر
    تابعي من مزيد قلمك
    وننتظر تمكين بعد آخر بكل شغف
    بوركتِ ♥ ♥

    ردحذف