خواطر , استوقفتني أية , مقالاتي , "وذكــّر", صفحة من التاريخ , فلسطيني

الأحد، 15 مايو 2011

جدي .. حكاية عشق أبدية


جدي .. حكاية عشق أبدية

في كل زيارة يطل بها علينا ، يجلس في زاوية غرفة التلفاز ، يطلب محطة الأخبار بشكل فوري ، يلبس نظارته السميكة ، يرفع من الصوت ،يشرب كأس الشاي ، ويطرق مستمعا..
مهما كانت الأحداث ،ومهما كانت المواقف التي يشهدها العالم ، جملة واحدة يجب أن تتكرر :
"الله يكسرهم كللو من اليهود وأمريكا "

.....



 في كل مرة تقريبا ، يتحفنا جدي أو بالأحرى (سيدو) كما نقول له ، بلمحة من ذلك الماضي البعيد ، إما بقصد أو من غير قصد ،
قد يكون مصطلح لم أفهم معناه فأسأله عنه فيخبرني بالمعنى، ويسرد لنا القصة، وتبدأ مخيلتنا بالتصور ورسم الإحداثيات على مفاتيح خريطة جدي ..
وغالبا ما تكون محاولة مني لسرقة قصص من ذلك الزمان الذي عاشه لكي أخيطها ببساط العودة حتى يخضب برائحة التراب الأصيل الذي عاش عليه هناك
.....
تجاعيد الوجه وخشونة الأيدي وشيب الرأس والحطة التي لا تفارقه ..
 تروي حكاية
" سنة ال48 يا سيدي لما طلعنا من اللد "
اقتحام للبيوت والتشتيت بقهر بظلم ، وضياع
لم يحملوا شيئا من بيوتهم ظنا منهم أنهم عائدون ..
في الطريق أطفال تموت .. وآخرون يتركون
اسمها "نكبة "
من اللد إلى غزة ... من غزة إلى نابلس ...
من نابلس والإستقرار في أريحا
حتى ال67
والنزوح الى اربد ومنها إلى عمان
......

أحيانا يستذكر لنا أيام الصبا الجميلة في اللد ..
يستذكر عندما كان يلف المدينة أكملها "بالبسكليت" ..
يروي لنا قصص الأساطير التي كانوا يرونها الكبار حينها هناك
وكيف كان يستهزئ بها ..
قصة الشجرة المسكونة
وقصة " أبو رجل مسلوخة " التي ما برحت تخوف الأطفال
يغمرنا بضحكاته العالية لما يتذكر موقف مضحك فعله بأحد الكبار هناك
قصص الأمثال التي تضرب فينا ..و الصفات التي تروى عنا
وقصة أنه مرة كان يلعب فانجرحت رجله
فالتقطه صدفة جد والدتي الذي هو من اللد أيضا وأسعفه لبيته.. فجمعت الأقدار الجدود قبل أن تجمع الأحفاد
....
أوراق البيت والأرض ما زالت معه .. تنتظر يوما أن تخرج لتسترد حقها ..
كل شيء فيه يذكرني بعبق ذلك البلد الطيب ..
تشربنا حب أرضنا منذ أن كنا صغارا .. أناشييد العودة ما فارقتنا ..
" للأرض صوت من غضب" .. "مرج الزهور تشهد علينا" .. "يا ولاد حارتنا" .." يا إمي الحنونة" ..
"راجع عبلادي ..."

حتى الآن .. عند نزولنا "للبيارة" في الغور الشمالي هنا في الأردن .. نخرج على السطح ونتفرج على الغروب يطل على سهول بيسان ..
هي الروح منا والدم .. وصلة الرحم .. فكيف لنا أن ننساها ..
هذا الكرت ..كرت المؤن كرت اللاجئين .. يثبت عودتي ويثبت حقي ويثبت ارتباطي بقدسية أرضي





وأما هذا الدفتر الذي اقتنيه ..فقد صنعت أوراقه من عناوين الجرائد ..
 يحمل في طياته أحداث مرت علينا .. من جنين 2005 وغزة 2008
و صور جراح الأمة أيضا من العراق 2003 ولبنان 2006..
وأحداث أرضي اليومية .. من هدم وتشريد وقتل وتدمير..





......
 في نفس الزمان والمكان.. تبقى حكاية جدي مفتوحة لا ختام لها .. تاركا لنا المهمة في أن نضع النهاية
والبداية من جديد ..
فمهما تعددت الصور .. ومهما بشع المنظر .. ومهما تألم القلب..
هي سنن ربانية واحدة .. ثابتة في الكون
نحملها مشعلا في الطريق .. نورا يدير درب الإنتصار ..
لا عودة .. إلا بالعودة إلى الله ..
"إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين "